التطور الصوتي في لهجة أهل القصيم في ضوء نظرية السهولة و التيسير

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

أستاذ اللغويات المساعد بقسم العلوم الإدارية والإنسانية،کلية المجتمع ببريدة جامعة القصيم،المملکة العربية السعودية

المستخلص

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين. وبعد،
فإن لهجات أية لغة تخضع للعديد من التطور والتغير وفق قوانين صوتية وبيئية واجتماعية (عبد التواب، التطور اللغوي:9، 1997م). واللهجة واحدة من عدة لهجات تمثل اللغة الأم، حيث تشترک جميع اللهجات في صفات مشترکة، وتختلف في بعض الخصائص اللغوية التي تعود إلى استعمال الجماعة لهذه اللهجة (المطلبي، لهجة بني تميم:30، 1978م).
        ولهجة القصيم إحدى اللهجات العربية ذات الأصول القديمة، باعتبارها جزءًا من منطقة (نجد) التي تشغل وسط الجزيرة العربية، البعيدة عن التأثرات الخارجية، ولذا کانت موطنا للعربية التي أخذت منها الفصحى التي نزل بها القرآن، وموئلا للکثير من شعراء ما قبل الإسلام (العبودي، لهجة القصيم:340، 1978م).
        وقد عايش الباحث سکان مدينة بريدة، عاصمة القصيم، مدة أربت على خمس سنوات، لاحظ خلالها وجود ظواهر لهجية کثيرة فيها، بعضها مشترک مع الفصحى، وبعضها خاص بلهجة المنطقة وبعضها تطور عن النطق القديم.
        وقد لاحظت في هذه اللهجة من ظواهر فصيحة اندثرت في کثير من اللهجات العربية في البلاد الأخرى، مثل استخدامهم للتنوين ونون النسوة ونون التوکيد، والحفاظ على مخرج الحروف بين الأسنانية (الثاء، والذال، والظاء)، واستبدالهم الصائت الطويل بالصائت القصير في صيغة الأمر، مثل: (رُح)، و(صِم) مع إبدال الضمة بکسرة، من (راح) و(صام)، کما يعوضون بالتنوين عن ياء المنقوص المحذوفة، کما الفصحى، فقد سمعت أحدهم يقول : ( أنا معطِ فلان کذا ... ) . کما زالوا يستخدمون الألفاظ الفصيحة الأصيلة.
        وتأتي أهمية هذه الدراسة من أنها تبحث في لهجة ترجع إلى أصول لغوية فصيحة نستطيع من خلالها کشف خصائص تلک اللهجة الموافقة للفصحى والمتباينة عنها ، سواء کانت موجودة في القديم أم تطورت عن اللهجات القديمة؛ بفعل عوامل بيئية واجتماعية وصوتية.
وقد لاحظت أن أصوات لهجة القصيم في عمومها خضعت لقوانين تطور کالتي تؤثر في تشکيل ملامح أية لهجة ، لکنها تأثرت أکثر بقانون واحد منها وهو قانون السهولة والتيسير ، وهو مالم يخصه أحد من الباحثين بدراسة مستقلة .
ومن هنا تکمن مشکلة هذه الدراسة التي تطرح عدة تساؤلات تسهم في الوصول إلى النتائج ، وهي:
1-  ما أبرز خصائص لهجة القصيم الصوتية في العصر الحديث؟
2-  ما  أوجه الاتفاق والاختلاف بين لهجة القصيم الحالية ولهجتها القديمة في الخصائص الصوتية ؟
3-  ما نظرية السهولة والتيسير التي خضعت لها لهجة القصيم في تطورها ؟
4-  ما أبرز العوامل المساعدة في تطور تلک اللهجة ؟
ومن أهم الدراسات التي اعتنت بتلک اللهجة:
1-   دراسة الشيخ محمد بن ناصر العبودي ، المنشورة بمجلة العرب ، ذو الحجة 1398ه- ديسمبر 1978م (ص 337 - 351). وقد بينت أن اللهجة النجدية المحکية الآن ، التي منها لهجة القصيم ليست محرفة عن الفصحى وإنما شقيقة لها ، ثم عرض بصورة موجزة لبعض الألفاظ المستعملة اليوم في عامية نجد ، وهي ألفاظ قديمة فصيحة ، کما ذکر أن أهل نجد يحذفون الهمزة من وسط الکلمة ومن آخرها. کما أشار إلى جمعهم بين الساکنين وخاصة بعد (أل) التعريفية. وبعد ذلک تناول بعض الظواهر في لهجة القصيم بإيجاز مثل  حذف الألف من الضمير (ها) للمؤنثة الغائبة والوقوف على الهاء قبلها بالسکون وفتح ما قبل الهاء. والدراسة موجزة جدًا في تحليل اللهجة ، کما أنها حاولت تأصيلها بإرجاعها إلى أصول عربية أو سامية.
2-   دراسة الدکتورة نوال بنت إبراهيم الحلوة ، المنشورة بمجلة الدراسات اللغوية في عددها الأول من المجلد السابع (المحرم وربيع الأول 1426ه ، من ص 19 - 119 ) . وقد تناولتظواهر الهمزة والإبدال و القلب المکاني في لهجة أهل القصيم ، متبعة المنهج الوصفي المعياري . والدراسة أکثر تفصيلا من دراسة العبودي ، إلا أنها رکزت على تأصيل اللهجة بإرجاعها إلى أصول لهجية قديمة دون بيان أسباب تطور بعض الصفات والظواهر الصوتية ، کما أنها اقتصرت على ثلاث ظواهر فقط .
3-   دراسة الدکتورة بدرية بنت سليمان العاروک وهي دکتوراة بکلية الآداب ، جامعة الأميرة نورة نوقشت عام (1431ه – 2010م). وقد وقعت الدراسة في بابين، تناول الأول الدراسة الصوتية بين الفصحى ولهجة القصيم وخص التعاقب بين الصوامت بين الفصحى ولهجة القصيم وکذلک تعاقب الصوائت، کما تناول القلب المکاني. أما الباب الثاني فتناول الدراسة النحوية والصرفية والدلالية بين الفصحى ولهجة القصيم. وهي دراسة موسعة شملت المستويات اللغوية الأربعة، لکنها اقتصرت في الدراسة الصوتية على ظاهرتي الإبدال والقلب المکاني فقط.
4-   دراسة الدکتور صالح العايد: (من لهجة أهل القصيم: الوقف على نون الوقاية بالتسکين) , منشورات دار إشبيليا في الرياض , عام 1418 ه.
5-   دراسة الدکتور خالد بن محمد الجمعة، المنشورة بمجلة الدراسات الإنسانية والأدبية، کلية الآداب، جامعة کفر الشيخ، بمصر، يناير 2012م. وهي خاصة بالمؤنثات السماعية في اللهجة القصيمية المعاصرة، وتلک قضية نحوية وليست صوتية.
6-   دراسة الدکتور خالد بن محمد الجمعة: (من مظاهر لهجة طيئ في اللهجة القصيمية المعاصرة), منشورة في مجلة جامعة القصيم ـ فرع العلوم العربية والإنسانية في رجب 1434هـ.
وکل هذه الدراسات السابقة عن اللهجة القصيمية تناولها باحثون سعوديون من أهل القصيم، وأشاروا إلى أنهم لم يستوعبوا کل الظواهر الصوتية فتناولوا بعضها فقط. کما أن تکلمهم بهذه اللهجة قد يجعلهم لا ينتبهون لبعض خصائصها، بخلاف من يتکلم بغيرها، فقد تقرع آذانه ما يخالف لهجته فيتنبه لخصائصها ويعرف الفروق المختلفة بين لهجته الأم ولهجة الدراسة.  
        لذا فإن دراستنا للهجة القصيم هي دراسة باحث من خارج أبناء اللهجة، حيث إنها- أي لهجة القصيم- لفتت نظره واسترعت انتباهه وقرعت سمعه، فوجد أن کل الظواهر الصوتية، أو قل غالبها، التي شاعت في تلک اللهجة تميل ناحية تيسير النطق وسهولة الکلام. وبالتالي فإن هذه الدراسة تنبهت لظواهر لم يتنبه لها أصحاب الدراسات المذکورة، منها ظاهرة الحذف في أصوات لم يذکروها حيث توسعت فيها اللهجة المعاصرة، ونشأ عن کثرة حذفهم ما يمکن تسميته بالنحت؛ بحذف أصوات من عدة کلمات فتصير کلمة واحدة، وانفرد البحث أيضا ببيان ظاهرة الإمالة في اللهجة القصيمية، وإن وقعت في ألفاظ معدودة. وکذلک تحريکهم عين ما جاء على وزن (فعْل) بسکون العين وتثليث الفاء، فيما يشبه القلقلة في قراءات القرآن، وهو مطرد في کلامهم، إلا إذا کانت العين (لاما) أو (راء). وميلهم الدائم ناحية الکسر، حتى في التنوين فإنهم يکسرونه دائما، والإبدال بين أصوات لم تشر إليها الدراسات المذکورة.
        أما عن جمع مادة الدراسة، قد جمعتها طيلة السنوات الخمس التي قضيتها مع أهل بريدة من شيوخ وشباب، حيث کنت أسجل ما أسمعه منهم، صوتا وکتابة. إضافة إلى ما کنت أسجله من کلام طلابي بالجامعة الذين هم من سکان منطقة الدراسة. ثم جمعت کل تلک التسجيلات، وتناولت ما اتفق الجميع عليها، وترکت ما سواه؛ ليکون ما تناوله البحث مما يطرد استعماله في کلامهم، وحتى تخرج النتائج مؤکدة صحيحة.  
وإن ما لاحظه الباحث أن أهل القصيم، في القديم و الحديث کانوا يميلون إلى السهولة والتيسير في الکلام مما جعلهم يکثرون من الحذف والإبدال والتوافق الحرکي والإمالة والقلب، وتحريک عين (فعل) الساکنة إذا کانت حرفا غير اللام والراء، بغض النظر عن حرکة الفاء. وقد توسع المعاصرون منهم فيما احتشم منه أجدادهم، حيث أکثروا من الحذف وتوسعوا في الکسکسة، کما ستکشف عنه دراستنا بإذن الله.

الكلمات الرئيسية