دعوى الاختلاط بين النفي والإثبات في رواية سعيد بن أبي سعيد المَقْبُرِيِّ دراسة نقدية تطبيقية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

دکتوراه الحديث وعلومه، جامعة الأزهر کلية أصول الدين، القاهرة

المستخلص

امْتَنَّ الله تعالى على طائفة من هذه الأمة وشرفها بتَحَمُّل وتبليغ هذه الأمانة العظيمة إلى من يليها من القرون والعصور؛ فاستفرغوا الجهد في نقل هذا الوحي والحفاظ على سلامته من التبديل والتحريف، ووضعوا لذلک أدق القوانين التي لا تُعرف لأمة قبل أمة الإسلام، ولا حَامَ طائرُ أحد حولها فيما غبر من الأمم.
فميَّزوا الصحيح من السقيم، وأبانوا عن طبقات الرواة ومنازلهم من العدالة والضبط، وأفصحوا عن حال کل راوٍ في نفسه وفي شيوخه، حتى يندر أن تجد راوٍ من الرواة إلا وللنقاد فيه کلام، ولو قَلَّ.
 ولم تکن عنايتهم بالراوي في فترةٍ زمنية محددة من حياته وحسب، بل استمر الأمر مع الرواة في جميع مراحل روايتهم للحديث؛ حتى إذا طرأ على الراوي ما يؤثر في روايته نصوا على ذلک، وأبانوا الفترة التي يقبل فيها حديثه والتي يرد، ومن يُقَدَّم من أصحابه ومن يؤخر.
وَمِثْل هذا النوع مرجعه إلى تَغَيُّرِ حفظ الراوي لظرف يطرأ عليه؛ من مثل ضياع کتبه، أو کِبَر سنه، أو مصيبة تُلِمُّ به تذهب ببعض لُبِّه.
ومن الصور الشائعة لهذا النوع ما يعرف عند نقاد الحديث بـ «الاختلاط»، وقد أوسعوه بحثًا ودلالة وأمثلة، يجدها مبتغيها في محلها من کتب علم مصطلح الحديث، أو في کتب خاصة برواة هذا النوع.
إلا أنه مما يجدر التنبه إليه في هذا المقام أنه ليس مجرد ذکر الراوي في کتب هذا النوع، أو إشارة أحد النقاد إلى أن فلانا قد اختلط ليس ذلک بمجرده- قاطعًا بثبوته في حق من نُسب إليه، بل ينبغي تحري الدقة البالغة في تحرير هذا النوع، خاصة إذا لم يکن ذلک شائعًا بين عموم النقاد، ولم يحاکموا رواية الراوي لهذا الاختلاط.
فلربما وُسِم أحد الرواة بذلک على سبيل الخطأ، أو لم يثبت هذا القول عن قائله، أو قاله أحد العلماء توسعًا في العبارة بحيث لا يقصد بذلک الاختلاط المتعارف عليه الذي يقضي برد حديث المختلط بعد زمان اختلاطه، وإنما غاية مراده أنه أصابه ما يصيب الناس في الهرم من بعض النسيان الذي لا يستدعي نقل الراوي عن درجة الحفظ إلى الوهم الذي يرد به حديثه.
وفي هذا البحث إن شاء الله تعالى سأتناول بالدراسة النقدية التطبيقية أحد التابعين الذين نسبوا إلى الاختلاط، وهو الإمام التابعي «سعيد بن أبي سعيد المَقْبُرِي»، في محاولة للوقوف على حقيقة حاله، وهل نسبته إلى الاختلاط مجرد دعوى أو حقيقة قائمة ظاهرة المعالم في کتب العلل ونقد الروايات، ولم أجعل البحث بحثًا خاصًا بالاختلاط ومسائله وفروعه المبثوثة في کتب العلماء، وإنما انتقيت من تلک المسائل ما يخدم موضوع البحث.
. وإنما حداني لذلک: أني لم أقف على دراسة مفردة أو رسالة علمية تناولت الإمام المَقْبُري رحمه الله بالدراسة المتأنية، وفَصَّلت الأقوال المتباينة في شأن اختلاطه، وناقشتها مناقشة مستفيضة، مع ربط ذلک کله بنظرة النقاد والعلماء وتعاملاتهم مع مروياته ، خاصة مع کون اسمه مدرجًا في جميع الکتب المفردة التي وقفت عليها مما هو مسطرٌ في مسألة اختلاط الرواة، وإنما کان غاية ما وقفت عليه في تلک المؤلفات: ذکر أقوال من وسمه بالاختلاط مع التعريج على طرف من أقوال من نفى اختلاطه من أمثال الإمام الذهبي رحمه الله، وقد أسميت هذا البحث:
دعوى الاختلاط بين النفي والإثبات
في رواية سعيد بن أبي سعيد المَقْبُرِي
دراسة نقدية تطبيقية

الكلمات الرئيسية