يدور هذا البحث حول غرس القيم الاسلامية والإنسانية في أدب الأطفال.
ومما لا جدال فيه أن هذه القيم تنطلق من الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، باعتبارها معاني مشترکة في تکوين الشخصية السوية وإقامة البناء الاجتماعي، وممارسات توجه السلوک الإنساني وتضفي نوعا من التوازن والانسجام في علاقة الإنسان بذاته وبمن يحيط به.
ومما لا شک فيه أن ما تعيشه الحضارة الإنسانية المعاصرة من تحولات جوهرية يجعل موضوع غرس القيم في أدب الأطفال من أبرز التحديات التي تواجه الأفراد والأسر والمؤسسات المدينة والمجتمعات والشعوب خاصة الإسلامية وهي تعيش حالة حادة من حالات الانسلاخ عن الذات سواء باجترارالتقليد دون تمحيص، أو التقليد دون وعْي أو تبصر، الأمر الذي يغدو ومعه استنباط القيم الإسلامية والإنسانية وغرسها في أدب الأطفال من عمق مکابدات الإنسان مع الحياة، من منطلق أنها قضية ضرورية وملحة کما أن محاولة إشاعتها وغرسها في الأدب لاسيما أدب الأطفال باعتبارها قيما إنسانية مشترکة بين البشرية جمعاء يمثل طوق النجاة للبشرية، من منطلق أن أطفال اليوم هم رجال الغد الذين تعتمد عليهم الأمة لتحقيق نهضتها وتقدمها، وهم صناع المجد والحضارة على أرضها وترابها الذکي.
ومن ثم يجب إعدادهم سويا؛ لتحقيق الأهداف المنوطة بهم، ومن هنا تبدو أهمية إمدادهم بالفن الإسلامي الذي يکفل لهم تنشئة سوية مرتکزة إلى القيم الإسلامية والإنسانية البناءة التي تساعدهم على التعامل مع معطيات الحياة الإنسانية تعاملا إيجابيا.
ولذلک فإن الأدب الإسلامي المقدّم لهم والذي تُغرس فيه القيم الإسلامية والإنسانية يأتي في مقدمة الفنون التي تلبي احتياجاتهم النفسية، وتسهم في إشباع اهتماماتهم العقلية، وتصقل مشاعرهم وتصبغها بصبغة إسلامية، وتنمي في نفوسهم التذوق الجمالي للفنون.. وتمکنهم من التعامل مع الحياة معاملة سوية في ظل عقيدة سليمة ووازع ديني راسخ، وخلق قويم وتذوق فني رفيع.
وتقتضي طبيعة البحث أن نطرح بعض الأسئلة حول موضوع غرس القيم الإسلامية والإنسانية في أدب الأطفال، ومن هذه الأسئلة ما يأتي:
ما المراد بأدب الأطفال الإسلامي؟
ما مفهوم القِيم؟ وما أنواعها؟ وفيم تتمثل أهميتها؟ وکيف يمکن اکتسابها؟ وما مصادرها؟ وما سماتها؟
ما دور الأدب في استجلاء القيم وغرسها في نفوس الأطفال؟
ولا شک أن دافعنا إلى کل ذلک الرغبة في استجلاء تلک القيم التي يتم غرسها في الأدب المعدّ للأطفال.
ونبدأ بعون الله تعالى في الإجابة عما طرحناه من أسئلة فنقول: في الإجابة عن المراد بأدب الأطفال الإسلامي إنه التعبير الجميل المؤثر، الصادق في إيحاءاته ودلالاته، والذي يستلهم قيم الإسلام ومبادءه وعقيدته، ويجعل منها أساسا لبناء کيان الطفل عقليا ونفسيا ووجدانيا وسلوکيا وبدنيا، ويسهم في تنمية مدارکه وإطلاق مواهبه الفطرية، وقدراته المختلفة. وفق الأصول التربوية الإسلامية، والقيم المغروسة فيه، على أن يراعي في ذلک الأدب وضوح الرؤية وقوة الإقناع والمنطق.([1])
أما مفهوم القيم فنرى أنه يتمثل في أن القيم: صفات إنسانية إسلامية إيجابية راقية، مضبوطة بضوابط الشريعة الإسلامية، تؤدي بالمتعلم إلى السلوکيات الإيجابية في المواقف المختلفة التي يتفاعل فيها الطفل مع دينه ومجتمعه وأسرته في ضوء معيار ترتضيه، الجماعة لتنشئة أبنائها وهو الدين والعرف وأهداف المجتمع.
وتصبح هذه القيم تربوية کلما أدت إلى النمو السويّ لسلوک الطفل وکلما اکتسب بفضل غرسها في ذاته مزيدا من القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، وبين الخير والشرّ، وبين الجميل والقبيح...الخ
وتلعب القيم دورا مهما في حياة الفرد والمجتمع، ويبدو ذلک في انتقاء بعض الأفراد الصالحين لبعض المهن مثل رجال السياسة والدين.
وهي موجهة وضابطة للسلوک الإنساني إلى جانب أنها تلعب دورا مهما في تحقيق التوافق النفسي والإجتماعي، وفي عمليات العلاج النفسي وتساعد على إعطاء المجتمع وحدته.
وتتمثل أهمية غرس القيم في أدب الأطفال على المستوى الفردي فيما يلي:
أ- إنها تهيئ للأفراد اختيارات معينة تحدد السلوک الصادر عنهم فهي تلعب دورا هاما في تشکيل الشخصية الفردية للأطفال، وتحديد أهدافها في إطار معياري صحيح.
ب- إنها تمکن الفرد من أداء ما هو مطلوب منه بدقة ليکون قادرا على التکيف والتوافق بصورة إيجابية مع المجتمع.
جـ- تحقق للفرد الإحساس بالأمان فهو يستعين بها على مواجهة ضعْف نفسه والتحديات التي تواجهه في حياه.
د- تعطى الفرد فرصة للتعبير عن نفسه وتأکيد ذاته.
ه- تدفع الفرد لتحسين إدراکه ومعتقداته لتتضح الرؤية أمامه وبالتالي تساعده على فهم العالم من حوله، وتوسع إطاره المرجعي في فهم حياته وعلاقاته.
و- تعمل على إصلاح الفرد نفسيا وخلقيا، وتوجهه نحو الإحسان والخير والواجب.
ز- تساعد على ضبط الفرد لشهواته کي لا تتغلب على عقله ووجدانه.
أما أهمية غرس القيم في أدب الأطفال على المستوى الاجتماعي فتتمثل فيما يلي:
أ- تحافظ على تماسک المجتمع فتحدد له أهداف حياته ومثله العليا ومبادئه الثايتة.
ب- تساعد المجتمع على مواجهة التغيرات التي تحدث فيه بتحديدها الاختيارات الصحيحة، وذلک يسهل على الناس حياتهم، ويحفظ للمجتمع استقراره وکيانه في إطار موحد.
جـ- تربط أجزاء ثقافة المجتمع ببعضها حتى تبدو متناسقة، کما أنها تعمل على منح النظم الاجتماعية أساسا عقليا يصبح عقيدة في أذهان أعضاء المجتمع المنتمين إلى هذه الثقافة.
د-تقي المجتمع من الأنانية المفرطة والنزعات والشهوات الطائشة، فالقيم والمبادئ في أي جماعة هي الهدف الذي يسعى جميع أعضائها للوصول إليه.
ه- تزود المجتمع بالصيغة التي يتعامل بها مع العالم وتحدد له أهداف ومبررات وجوده، وتحدد للأفراد سلوکياتهم.
ولغرس القيم في أدب الأطفال أهمية على المستوى القومي؛ إذ إن لکل مجتمع نظامان يحمي بهما سياجه القومي: نظام عسکري يحميه من الغزو المسلح من الخارج، نظام قيمي يحميه من الغزو الفکري، وقد وصف علماء الاجتماع الأمن القومي بأنه "قدرة الدولة على حماية قيمها الداخلية من التهديد"([2])وذلک أن المجتمع العربي والإسلامي يواجه أخطار تذويب ثقافي وحضاري وغزو فکري بأشکال متعددة" يهدف إلى تنميط أفکار المجتمع الإسلامي وسلوکه وقيمة الفردية والجماعية وفقا للنمط الغربي "
([1])أدب الأطفال في ضوء الإسلام ص14 لنجيب الکيلاني، وراجع تعريفات أخرى لهذا الأدب في القصة الواقعية ص25 لمحمود أبو وافية، تدريس فنون اللغة العربية ص193 لعلي أحمد مدکور، النص الأدبي للأطفال ص26 لسعد أبو الرضا الأدب الإسلامي للأطفال ص9-10 لإسماعيل عبد الفتاح عبد الکافي، أدب الأطفال ص8 لحنان عبد الحميد العناني، وتأثير ألف ليلة وليلة على أدب الأطفال ص18 لرافع يحي.
([2])شبکة الإنترنت، موقع ستار تايمز، أرشيف المنتدى الإسلامي العام.
عبدالله صفا, الدکتور/ قرني. (2015). غرس القيم الإسلامية في أدب الأطفال. الفرائد في البحوث الإسلامية والعربية, 32(1), 2797-2847. doi: 10.21608/bfsa.2015.9105
MLA
الدکتور/ قرني عبد الحلیم عبدالله صفا. "غرس القيم الإسلامية في أدب الأطفال", الفرائد في البحوث الإسلامية والعربية, 32, 1, 2015, 2797-2847. doi: 10.21608/bfsa.2015.9105
HARVARD
عبدالله صفا, الدکتور/ قرني. (2015). 'غرس القيم الإسلامية في أدب الأطفال', الفرائد في البحوث الإسلامية والعربية, 32(1), pp. 2797-2847. doi: 10.21608/bfsa.2015.9105
VANCOUVER
عبدالله صفا, الدکتور/ قرني. غرس القيم الإسلامية في أدب الأطفال. الفرائد في البحوث الإسلامية والعربية, 2015; 32(1): 2797-2847. doi: 10.21608/bfsa.2015.9105