الوثنية ومظاهرها في عقيدة الألوهية عن اليهود أسبابها ومنطلقاتها

المؤلف

مدرس بکلية الدراسات الإسلامية والعربية فرع فرع البنات بالإسکندرية / قسم العقيدة والفلسفة جامعة الأزهر

المستخلص

البحث في علم مقارنة الأديان، قد غدا في هذا العصر من أخصب مجالات البحث الإنساني لدى العلماء والباحثين، حيث شغل حيزاً کبيراً من الساحة الفکرية لهذا العصر، وبرزت فيه أقلام کثيرة تجمع بين الجد والجدة والجرأة في وقت لاحق.
ونحن کمسلمين نرى أننا أولى الناس جميعاً بهذه الدراسات وأقدرهم عليها، لأننا وحدنا الذين نملک مقومات هذه الدراسات ومقاليدها، بل ولا يملک غيرنا أن يقول فيها کلمة الفصل فيحق الحق ويبطل الباطل، وذلک أننا أصحاب الرسالة الخاتمة، وأهل الکتاب المهيمن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولأننا وحدنا الذين أنيطت بنا الشهادة على کل الناس.
إن دراسة الملل والنحل ليست أمراً غريباً أو بعيداً عن الساحة القرآنية، حيث أن کثير من آيات القرآن الکريم  قد تحدثت عن کثير من الملل والنحل التي شهدتها البشرية عبر تاريخها الطويل، فقد تحدث القرآن الکريم في عديد من السور والآيات عن اليهود والنصارى، وقص علينا من قصص الأنبياء والرسل مع أقوامهم، ومن المعروف أنه کان لهؤلاء الأقوام أديان يدينون بها، وعقائد يتمسکون بها، وبهذا فتح القرآن أمامنا الطريق وحفزنا إلى تتبع هذه العقائد ومعرفتها والوقوف على مضامينها.
لقد کانت اليهودية دين توحيد خالص، ولکن أتباعها شوهوها فحفلت أعمالهم بالمخازي وتصرفاتهم بالخطايا، ولقد حاربوا العالم کله ونشروا فيه الإلحاد والانحلال، وشوهوا الدين وخرجوا على الفطرة البشرية بدعوى عنصرية فارغة وإدعاء سيادة زائفة. 
وبما أن تاريخ بني إسرائيل کان حافلاً بالهجرات، فقد تسنت لهم فرص التعرف على معتقدات کثيرة، وآراء مختلفة، ولم يتوقف الأمر عند حد التعرف بل وصل إلى درجة الانجذاب وراءها مما کان له دور کبير في عدم ترسيخ عقيدة التوحيد في نفوسهم، لذلک کان من اليسير عليهم ترکها  - بحکم أنها غير متأصلة فيهم   - والانجرار خلف عقائد الأمم والبلدان المجاورة لهم، والتي کانت عبارة عن وثنيات يدين بها تلک الأقوام.
فالدين اليهودي عبارة عن مجموعة من العقائد والشرائع والطقوس، تراکمت وتبلورت على مدى آلاف السنين، من مصادر مختلفة:
فبعضها من بقايا أسفار مشوهة تنسب إلى أنبيائهم، جمعت من الروايات الشفهية أثناء السبي، وبعضها آراء وتفسيرات أحبارهم وبخاصة التلمود الذي جعلوا له قدسية تفوق قدسية التوراة نفسها. وبعضها من معتقدات وأساطير وخرافات الأقوام التي عاشوا بينها على مر العصور، فقد عاد المسبيون وهم يحملون الکثير من المعتقدات البابلية الوثنية، أما الذين بقوا في فلسطين واختلطوا بأقوام أخرى فحدث ولا حرج عن تأثرهم بمن عايشوهم.
فالديانة اليهودية عبارة عن مزيج من وثنية قديمة بعضها أسيوي، وبعضها أفريقي، ومن ثم تزاوجت مع عقائد المجتمع الأفريقي الأسيوي عامة، فأصبحت کالبحر الذي تتجمع فيه الأنواع المختلفة من الأسماک وغيرها.
وهذا الخليط من العقائد في اليهودية، قبل موسى وبعده هو الذي دفع إلى ظهور عدد کبير جداً من الأنبياء بين الشعب اليهودي، وقد حاولوا جاهدين تخلص اليهودية من الدخيل وإرجاعها سيرتها الأولى، ولکن دون جدوى. 
ولا عجب في ذلک فقد وصف اليهود في کل الکتب السماوية بأنهم قوم متمردون، غلاظ الرقاب قساة القلوب، وذلک نظراً لکثرة انحرافهم،  وارتکابهم الفواحش، وتطاولهم على الذات الإلهية، وإتباع سياسة التمييز العرقي، والاستعلاء ثم بعد ذلک ظهورهم کالحمل الوديع لاستدرار العطف عليهم.