عُدة مُحقِّق التراث المالکي

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

الکويت

المستخلص

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وبعد، فعناية کل أمة بموروثها على تنوعه مظهر من مظاهر رقيها وتقدمها وتحضرها، لذلک نرى الدول التي توصف الآن بأنها متربعة على عرش الحضارة، تولي تراثها أهمية بالغة، وتنفق في مجال العناية به وصيانته والمحافظة عليه کثيرا من ميزانياتها، وکذلک کان شأن سلفنا، لما کانت أمتنا قائدة رکب الحضارة في المجتمعات الإنسانية.
فنجد حکامها وسراتها اعتنوا بتراث الأمة، وفي الکتب المؤلفة عن الکتاب في الحضارة الإسلامية الکثير من الأدلة الشاهدة على ذلک([1])، ولم يقتصر اهتمامهم على المخطوطات فقط، بل اهتموا أيضا بالآثار: عناية؛ کالآثار الإسلامية ([2])، أو رصدا ووصفا للآثار غير الإسلامية؛ کما يتجلى ذلک في أدب الرحلة([3]) .
وإنه لمما يثلج الصدر أن تستمر هذه العناية على مستوى الأفراد والمؤسسات الأهلية والحکومية، وحرصا مني على المشارکة في هذه العناية کتبت وورقة حول ما يحتاجه من أراد تحقيق مخطوط متعلق بالفقه المالکي، وجعلت عنوان ورقتي:[عُدة محقق التراث المالکي]، وأقصد بذلک أن محقق التراث المالکي فقها وأصولا ونوازل وحديثا وشرحه وتاريخا وطبقات وتراجم: لابد له من عُدة خاصة به زيادة على ما يجب توفره في کل محقق من أمور.
وسوف تشتمل الورقة بناء على ذلک على تمهيد ومبحثين:
أما التمهيد: فسأبين فيه معنى مفردات التعريف لتحديد نطاق البحث، وسأذکر باختصار شديد مفاهيم أساسية عن التحقيق کتعريفه، وذکر المصطلحات ذات العلاقة به، ومفرداته، والخطوات التي يجب على کل محقق اتباعها في تحقيق أي مخطوط، لکون ذلک قدْرا ضروريا لمحقق التراث المالکي أيضا يشترک فيه مع غيره من المحققين، لتکون مباحث الورقة بعد ذلک مخلصة لعدته الخاصة إذا أراد تحقيق تراث المالکية، وسأختم التمهيد ببيان أسبقية المسلمين إليه تقعيدا وتطبيقا، ذاکرا أهم کتبنا التراثية في هذا الصدد، کل ذلک باختصار شديد؛ لأن الکتب في قواعد التحقيق وضوابطه وأصوله کثيرة جدا، وتتفاوت في حجمها ما بين صغير ومتوسط وکبير، وتتمايز في أهميتها کذلک، وسأختم التمهيد بذکر أهم هذه الکتب وأنفعها لمن أراد الاستزادة([4]).
وأما المبحث الأول: فخصصته لما يحتاجه المحقق من ثقافة خاصة، وأما المبحث الثاني: فخصصته لما يحتاجه من أدوات خاصة، وذلک لأن مطالع کتب أصول تحقيق التراث وقواعده يجدها مجمعة على أنه يجب على الباحث أن يتأهل للتحقيق قبل خوض غماره، ويحصل له التأهل بأمرين:
الأول: الحصول على الحد الأدنى من العلوم الإسلامية، کالنحو والصرف والبلاغة والعروض والمنطق والأصول، وهي المعروفة بعلوم الآلة، وکذلک غيرها من مقدمات العلوم، کمصطلح الحديث، وعلوم القران، وعلوم الفقه والقراءات.
الثاني: الإحاطة النسبية بالعلم الذي يريد التخصص في تحقيق مخطوطاته، ونحن هنا بصدد علم الفقه: فروعه ونوازله، وکذلک علم أصول الفقه، وسيقتصر حديثي حول المذهب المالکي، فقها وأصولا.
وعليه فسوف أذکر في المبحث الأول: ثقافة خاصة، وهو ما يجب معرفته من تاريخ المذهب، وتطوره، ومصنفاته وأعلامه، وسيکون ذلک مجرد إشارات لفتح الآفاق، لعدم إمکانية التوسع، بسبب حجم الورقة، ومن أراد التوسع والاستزادة، فإني سأحيله على أکبر قدر ممکن من المراجع الحديثة والدراسات التي تبحث القضايا التي نحن بصددها، کل قضية على حدة، وبالطبع سيجد الباحث فيها المصادر الخاصة بذات الموضوع، فمثلا إذا ذکرت أن عليه معرفة مدارس المذهب، ورجال کل مدرسة، فإني سأذکر لکل مدرسة أهم من کتب عنها، وعن رجالها، سواء أ تکلم عنهم مجتمعين أم أفرد أحدهم بدراسة خاصة؛ کإسماعيل بن إسحاق[ت:282ﻫ] من أعلام المدرسة العراقية، أو سُحنون[ت:240ﻫ] من أعلام مدرسة القيروان وهکذا، وسأختم المبحث بما يجب عليه دراسته من کتب أصول المذهب وفروعه على مشايخ وأساتذة متخصصين.
وأما في المبحث الثاني: فسوف أتکلم عما يجب عليه معرفته من أمور تفضي به إلى أن يکون ملما إلماما لا بأس به في المذهب المالکي فقها وأصولا، لنحقق الغرض الثاني الذي به يحصل کمال التأهل للمحقق، کمصطلحات المذهب، ورموزه واختصاراته، و سأذکر هذه الأمور بإيجاز، مع الإحالة على أکبر قدر ممکن من المراجع الحديثة والدراسات، لکل قضية على حدة.



([1]) تاريخ المکتبات الإسلامية ومن ألف في الکتب، الشيخ عبد الحي الکتاني، تحقيق: أحمد شوقي بنبين وعبدالقادر سعود، الخزانة الحسنية، ط. الثانية، 2005، ودور الکتب في ماضي المغرب، العلامة محمد عبدالهادي المنوني، تقديم أحمد شوقي بنبين، الخزانة الحسنية، ط. الأولى، 2005م، والکتب والمکتبات في الأندلس، د. عبدالرحمن علي الحجي، المجمع الثقافي – أبوظبي، ط. الأولى، 2007م.(وقصدت إلى الإحالة على کتب رکزت على الکتاب وعطائه في الغرب الإسلامي ليقرب من عنوان الورقة، مع أن کتاب الکتاني غطى رقعة جغرافية إسلامية أوسع من الغرب الإسلامي).


([2]) انظر: الآثار النبوية، أحمد تيمور باشا، عيسى البابي الحلبي، ط. الثالثة، 1971م، وهو کتاب قيم جدا رصد فيه مؤلفه الکلام على آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم کالقضيب والبردة والشعرات وغيرها في کتب التراث، ورجع إلى عشرات المصادر الأصيلة، وتتبع ارتحال وانتقال هذه الآثار من بلد إلى آخر، وحديثهم عنها وعنايتهم بذلک أکبر دليل على ما نحن بصدده. وينظر أيضا رحلة ابن جبير المسماة:تذکرة الأخبار عن اتفاقات الأسفار، محمد بن أحمد بن جبير الکناني الأندلسي، دار الکتاب اللبناني ومکتبة المدرسة، حيث أطال النفس في وصف عمارة الحرمين، وما فيهما من أضرحة ومقامات، کما أنه وصف مقامات الصالحين بالقاهرة کذلک.


([3]) انظر مثلا: رحلة ابن جبير عندما وصف منار الإسکندرية، ووصفه الدقيق للأهرامات، وحديثه عن أبي الأهوال کما سماه، وهو المعروف حاليا بأبي الهول.


([4]) ذکر الشيخ أبو غدة بعضا منها في تحقيقه لکتاب: تصحيح الکتب، وصنع الفهارس المعجمة وکيفية ضبط الکتاب، وسبق المسلمين الإفرنج في ذلک، أحمد شاکر(1377هـ)، تحقيق: عبدالفتاح أبو غدة، مکتب المطبوعات الإسلامية، ط. الأولى، 1993م، ص: 40، واستفاض في ذکر القديم والحديث منها د.فخر الدين قباوة في کتابه: علم التحقيق للمخطوطات العربية، بحث تأسيس للتأصيل، دار الملتقى، ط. الأولى، 2005، ص: 496- 474.

الكلمات الرئيسية