الأحاديث الواردة في جزيرة العرب- جمعًا وتخريجًا ودراسةً -

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

الأستاذ المشارک بکلية العلوم والآداب في جامعة القصيم

المستخلص

لا يخفى على مطلع؛ ما لجزيرة العرب من مکانة دينية وتأريخية، وأهمية جغرافية واستراتيجية، وإرث حضاري ممتدّ، موغل في القدم([1])، وما خُصَّت به من خصائص وفضائل([2])، ولو لم يکن لها إلا أن الله اختارها أن تکون "قلب العالم الإسلامي کمرکز القلب في الجسم الإنساني"([3])، ومعقلًا ومحضنًا لرسالة سماويّة عالميّة هي خاتمة الرسالات، وأعظمها وأفضلها وأتمّها وأکملها على الإطلاق، لکفاها شرفًا وفضلًا وفخرًا، فکيف وفيها بيت الله وحرمه، ومناسکه ومشاعره، ومواقيته ومناحره، ومولد نبيِّه r، ومهاجَره ومدينته، ومسجده وروضته المطهرة وقبره الشريف..، وشع منها نور الإسلام وانتشر؛ حتى شمل العالم کله، وإليها يعود في آخر الزمان غريبًا کما بدأ([4]). وهي أفضل البلاد المعمورة([5])، و"أمدّ الأقاليم مساحةً، وأفسحها ساحةً، وأفضلها تربةً، وأعظمها حرمةً، وأشرفها مدنًا"([6]).
وحق لجزيرة العرب بعد هذا کله أن يقال عنها: وقف الإسلام وحرمه، وعاصمته الخالدة، ورأس مال المسلمين، ووديعة النبي محمد r إلى أمته.
ومن باب: على قدر أهمية الشيء وقيمته تکون الأطماع والأخطار.. يقرأ کل ذي بصيرة ما تواجهه الجزيرة من تحديات ضخمة، وتتعرض له من مکايد ومؤامرات خبيثة، ودسائس ومخططات خفيّة؛ من أکثر من جهة، کل ذلک بغية النيل منها، ومن اسمها وتأريخها وحضارتها، ونسيجها الاجتماعي، ومکانتها الدينية([7])، ومن الإسلام الصافي والتوحيد الناصع على منهاج النبوة، الذي دعا إليه الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب، ومن مذهب السنة والجماعة الذي هو مذهب الغالبية العظمى من أهلها([8])، کما هو مذهب غالبية العظمى من المسلمين، وهو مذهب الحق والوسط، وامتداد لمذهب السلف. ومع هذا کله يغفل کثير من أبناء الجزيرة عما يحاک ضدها من مؤامرات، وعما تتميز به من فضائل،وتختصّ به من أحکام، والدليل على هذه الغفلة ما يصدر عن بعضهم من عقوق تجاهها، وتساهل لحقوقها، وجهل بمکانتها، وانتهاک لحرمتها، ما دامت أنها وقف الإسلام ووديعة النبي r، فللوقف شروطه التي يجب أن تراعى، وللوديعة حرمتها التي يجب أن تصان ولا تنتهک([9]). ومن هنا أردت أن أساهم في التوعية، ورفع هذه الغفلة، وأتشرف بخدمة هذه البقعة العزيزة على قلوب أهلها وقلوب المسلمين أجمع.
والمنهج الذي اتبعته في البحث: استقرائي واستنباطي، حيث تتبعت أولًا  کل حديث ورد فيه (جزيرة العرب)، أو (بلاد العرب)، أو (بلدکم هذا)، -أسماء لمسمّى واحد- وجمعتها، مصدِّرًا إيّاها بترقيم عامٍّ يحصر کل الأحاديث الواردة في الموضوع، ويليه ترقيم خاصٌّ يحصر أحاديث کل موضوع على حدة، وقمت بشرح الکلمات الغريبة فيها؛ في الحاشية تسهيلًا للوقوف عليها، کما خرجت الأحاديث تخريجًا علميًّا، ومنهجي في ذلک إن کان في الصحيحين أو أحدهما فأکتفي بهما، وإن لم يکن في أحدهما فأخرجه على بقية کتب السنة المعتمدة. وأخيرًا استنبطت بعض الأحکام الفقهية الظاهرة، والتي تدل عليه مجموعة من الأحاديث، ولم أرد الاستقصاء. هذا، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.



([1])  انظر في ذلک أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم للمقدسي (ص: 67)، حيث بدأ بذکر جزيرة العرب، وذکر مزيتها على غيرها. وانظر أيضًا: نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب لأبي العباس القلقشندي (ص: 15).


([2])  انظر مجموعة من خصائص الجزيرة العربية وأهلها في کتاب: (أم القرى) لعبد الرحمن الکواکبي (ص: 211-222) ونقل عنه مجلة المنار (5/ 859)، وبکر أبو زيد باختصار في کتابه خصائص العرب (ص: 62 – 65).


([3]) وصفها به أبو الحسن الندوي في رسالته (إلى أين تتجه الجزيرة العربية..)، نقلاً عن خصائص جزيرة العرب (ص:74).


([4])  رواه مسلم في الإيمان، باب بدأ الإسلام غريبًا (ح: 145).


([5])  وصفها بذلک الهمداني (المتوفى: 334هـ) في کتابه: صفة جزيرة العرب (ص: 1).


([6])  وصفها بذلک المقدسي في: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم (ص: 67).


([7]) يندرج في هذا الإطار تسميتهم لها مع دول من حولها بـ(الشرق الأوسط)، لأهداف مفضوحة، وعلى رأسها تسويغ إقامة الکيان الصهيوني الغاصب في المنطقة. فإنها لو بقيت في التسمية منطقة إسلامية أو عربية فيکف يقوم فيها کيان لبني الصهيون؟ انظر: مذاهب فکرية معاصرة لمحمد قطب (ص: 585)، وخصائص جزيرة العرب (ص: 26).


([8]) في هذا الإطار تنشط بعض الفئات الضالة عقديًّا، المدعومة من حکومات ذات أطماع توسعي تحلم بالسيطرة والنفوذ على المنطقة، وإحياء إمبراطوريتها البائدة، ولديها مخططات تواصل ليلها بنهارها في تنفيذها، وتنفق المليارات من ميزانياتها حتى ولو کانت على حساب لقمة عيش شعبها وإفقارهم!


([9]) من الانتهاک استقدام الکفار دون ضرورة وبناء الکنائس فيها، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (1/470) برئاسة المفتي عبد العزيز آل الشيخ: "وأجمع العلماء -رحمهم الله تعالى- على أن بناء المعابد الکفرية ومنها الکنائس في جزيرة العرب أشد إثمًا وأعظم جرمًا للأحاديث الصحيحة الصريحة". وانظر أيضًا: مجموع فتاوى ابن باز (3/ 286).

الكلمات الرئيسية