سورة الإخلاص ومنهجها فى إثبات وحدانية الله تعالى

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

المدرس بکلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر

المستخلص

- الحمد لله الذى رضى لنا الإسلام ديناً، ونصب لنا الدلالة على صحته برهاناً مبيناً وأوضح السبيل إلى معرفة وحدانيته وأنوار کماله وجلاله حقاً يقيناً، ووعد من آمن به وعمل بشريعته أجراً عظيماً، والصلاة والسلام على سيد الأخيار نبينا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الأطهار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد
فإنَّ العقيدة الدينية - أياً کانت - ضرورةٌ لا غنى عنها أبداً للإنسان فى حياته ؛ لأنه بحسب فطرته المرکوزة فى أعماق نفسه، والتى خلقه الله عليها يميل إلى اللجوء إلى قوة عليا يعتقد فيها القدرة المطلقة، والهيمنة الکاملة على الکون بکل ما فيه من کائنات، ويرى فيها منبع الرعاية والعناية، والتدبير لکل شئون حياته وسائر المخلوقات، ويشعر نحوها بالتعظيم والإجلال والإکبار.
وهذا بلا شک يحقق له ميله الفطرى إلى التدين، ويشبع لديه رغبته فيه، ونزعته   إليه، وإذا کان الأمر کذلک فإنَّ أولى ما يحقق له هذا هو الاعتقاد الصحيح الذى يوافق فطرته، ويحترم عقله، ويحفظ له کرامته ومکانته فى هذا الوجود، وهذا ما جاءت به العقيدة الإسلامية التى هى جوهر الإسلام وأساسه، وحقيقته وروحه.
وإذا کان الإسلام بناء متکاملاً ينتظم حياة الإنسان بکل ما فيها فإنَّ هذا البناء الضخم إنما يقوم على أساس متين هو العقيدة التى تتخذ من وحدانية الخالق جل شأنه منطلقاً لها کما قال ربنا عزَّ وجل لنبيه ورسوله محمد r  قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُکِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيکَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِکَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ(163) ﭼ([1]).
ومن هنا کانت الوحدانية هى الأصل والأساس الذى من أجله أرسل الله الرسل، وأنزل الکتب، وکانت على رأس الصفات الواجبة لله تعالى وفى مقدمتها ؛ لأن کل ما عداها من صفات الکمال والجلال إنما هو مبنى عليها ومرتبط بها.
لهذا کله وغيره عُنى القرآن بالحديث عنها عناية فائقة فى شتى صوره وآياته، وجعلها من أهم مقاصده وغاياته، وأکد فى صراحة ووضوح أنها أساس دعوات الرسل، وجوهر رسالاتهم، فما من رسول إلا جاء بها ومن أجلها، ودعا قومه إليها، قال تعالى وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِکَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)ﭼ ([2])، وقال جل شأنه حکاية عما جاء على لسان أنبيائه نوح وهود وصالح وشعيب - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين -   يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَکُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ﭼ([3])، وعلى هذا الدرب سار جميع الرسل فى دعوتهم من أولهم إلى خاتمهم رسول الله محمد r .
وفى هذا السياق نفسه، وفى إطار الحديث القرآنى عن وحدانية الله تعالى أنزل الله على نبيه محمد r من بين ما أنزل سورة من قصار السور، تعدل ثلث القرآن، وهى سورة الإخلاص، وقد أثبت الله فيها وحدانيته، وقرر فيها أصولها، وحدد فيها معالمها فى إيجاز معجز، يستولى على الأفئدة، ويأخذ بالألباب، ولعل هذا ما جعل الإمام الآلوسى – رحمه الله -  يقول فيها (وهذه السورة الجليلة قد انطوت مع تقارب قطرها على أشتات المعارف الإلهية والعقائد الإسلامية، ولذا جاء فيها ما جاء من الأخبار وورد ما ورد من الآثار)أ.هـ([4]).
ومن هنا کان الدافع لکتابة هذا البحث عن " سورة الإخلاص ومنهجها فى إثبات وحدانية الله  تعالى " طمعاً فى تجلية هذا المنهج الإلهي وتوضيحه، وإظهار معالمه وقسماته، والوقوف على کيفية وصول السورة الکريمة من خلال هذا المنهج الحکيم إلى غايتها ومقصودها من أقرب طريق رغم قلة عدد آياتها وکلماتها.
وحسبى فى هذا الصدد أن أشير إلى أنَّ هذه السورة - على وجازتها - جامعة لکل صفات الکمال ونعوت الجلال الواجبة لله سبحانه وتعالى، مصححةٌ لضلالات المشرکين، وترهات أهل الکتاب وغيرهم من أهل العقائد الفاسدة الذين انحرفوا عن جادة الصواب فى أهم وأخطر رکن من أرکان العقيدة على الإطلاق " عقيدة الإيمان بالله تعالى وحده ".



[1]- سورة الأنعام - آية رقم 162، 163 .


[2]- سورة الأنبياء - آية رقم 25 .


[3]- سورة الأعراف - الآيات 59، 65، 73، 85 .


[4]- تفسير الآلوسى المسمى: روح المعانى في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني: للإمام أبى الفضل شهاب الدين السيد محمود الألوسي البغدادى (المتوفى: 1270هـ) - (15 / 515، 516 ) - تحقيق: علي عبد الباري عطية - ط دار الکتب العلمية –      بيروت .